طرفاية المغربية.. مصدر إلهام "الأمير الصغير" لسانت-أكزوبيري

في أقصى الجنوب المغربي، حيث يلتقي المحيط الأطلسي بالصحراء، تقبع مدينة طرفاية الهادئة التي يحكي سكانها حكاية مختلفة عن أحد أشهر كتب العالم: "الأمير الصغير" لأنطوان دو سانت-أكزوبيري. فهل كانت هذه المدينة الساحلية مصدر إلهام لهذه الرواية الخالدة؟

حطّ طائر البريد في طرفاية

عام 1927، وصل سانت-أكزوبيري، الطيار والكاتب الفرنسي، إلى طرفاية كقائد لمحطة البريد الجوي التابعة لشركة "لاتيكوير". كانت المدينة آنذاك نقطة عبور حيوية للطائرات بين فرنسا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.

تحوّل منزله المتواضع هناك إلى متحف يحكي تاريخ الطيران البريدية في المنطقة، لكن السكان المحليين يحتفظون بقصة أخرى... قصة قد تغيّر الطريقة التي نقرأ بها "الأمير الصغير".

"الصحراء والنجوم والثعالب".. ذكريات طرفاية في الرواية؟

يؤكد كبار السن في طرفاية أن المشاهد الصحراوية في "الأمير الصغير" مستوحاة من مناظر المدينة وضواحيها. ففي الرواية، يهبط الطيار في الصحراء حيث يقابل الأمير الصغير، تمامًا كما هبط سانت-أكزوبيري في صحراء طرفاية مرارًا.

أما الثعلب، أحد أشهر شخصيات الكتاب، فيقول السكان إنه قد يكون مستوحى من ثعالب الصحراء التي كانت تعيش بالقرب من مهبط الطائرات. حتى أن بعضهم يزعم أن الوردة التي يحبها الأمير الصغير تشبه الزهور البرية التي تنمو في الواحات القريبة.

"ليالي طرفاية كانت مرصعة بالنجوم"

في كتابه، يذكر سانت-أكزوبيري النجوم بكثرة، وكيف كان الأمير الصغير يسكن أحدها. يقول محمد، أحد أبناء طرفاية: "جدي كان يعمل مع الفرنسيين في المطار، ويحكي أن سانت-أكزوبيري كان يجلس ليلًا على الكثبان الرملية، يحدق في السماء المرصعة بالنجوم، ربما هنا خطرت له فكرة الكواكب التي زارها الأمير الصغير."

من متحف الطيران إلى تراث عالمي

اليوم، يُعتبر منزل سانت-أكزوبيري في طرفاية متحفًا يوثق حقبة البريد الجوي، لكنه أيضًا أصبح نقطة جذب للسياح الذين يبحثون عن جذور "الأمير الصغير". وتقول الباحثة المغربية فاطمة الزهراء: "لا يوجد دليل قاطع، لكن التشابه بين وصف الرواية وطبيعة طرفاية مدهش. ربما كتب سانت-أكزوبيري بعض أفكار الرواية هنا دون أن يصرح بذلك."

هل نقرأ "الأمير الصغير" بشكل مختلف الآن؟

بينما يعتبر معظم القراء أن القصة خيالية بحتة، يرى سكان طرفاية أنها تحمل جزءًا من تراثهم. ربما لم تكن الصحراء في الرواية صحراء أفريقية مجهولة، بل صحراء طرفاية ذات الرمال الذهبية والليالي النجمية.

في النهاية، تبقى "الأمير الصغير" قصة عالمية، لكن طرفاية تضيف لها طبقة جديدة من السحر، وتذكرنا أن الأعمال العظيمة قد تولد في أصغر الأماكن وأكثرها إلهامًا.

"ما يجعل الصحراء جميلة هو أنها تخبئ بئرًا في مكان ما"
– من كتاب "الأمير الصغير"