أخر الاخبار

كيف ماتت جمهورية الوهم في رحم الجزائر؟



علي الوكيلي

منذ البداية، اختلت فكرة التحرر الصحراوي بسبب عدم وجود قوة بشرية في الصحراء وعدم قدرة “البوليساريو” على قتال المغرب دون الاختباء وراء الحدود الجزائرية وخوض المعارك بالأسلحة باهظة الثمن المهداة لا المشتراة، وهو أمر غريب في تاريخ حركات التحرر.

كل حركات التحرر كانت تزاحم المحتل في الأرض المتنازع عليها دون الهروب وراء حدود دولة معادلة للقوة المستعمِرة.

ثم إن إرادة التحرير لم تكن صحراوية مائة في المائة، وإنما كانت في جانبها الأكبر إرادة أعداء المغرب، خاصة الجزائر وليبيا والكتلة الشيوعية الاشتراكية أثناء الحرب الباردة. وأخيرا، نتحدث عن الجانب الديموغرافي في جبهة “البوليساريو”، حيث تبين أن تسعين في المائة من الصحراويين موجودون في المغرب، وليس في تندوف التي أغرقتها الجزائر بجنسيات غير صحراوية.

لو كانت “الجمهورية الوهمية” قادرة على التحرر لحدث ذلك بين سنتي 1976 و1986. أما حين بنى المغرب الجدار الدفاعي فقد فتكت القوات المسلحة الملكية بالصحراويين حتى أرهقتهم وانخفضت أعداد المعارك بين 1986 و1991 إلى ما يقترب من الصفر، وتم إعلان وقف إطلاق النار الذي هو في حقيقته وقف لمجزرة الجيش المغربي في أفراد الجبهة.

وحين قام المغرب بالانسحاب من المنطقة العازلة مسلما إياها إلى الأمم المتحدة، تراخت هذه الأخيرة عن الحزم الواجب تجاه الاتفاقات الدولية، فاحتلتها الجبهة وسمتها الأراضي المحررة. وكان لتراخي المغرب أيضا تداعيات سلبية، حيث قامت البروباغاندا الجزائرية بتضليل العالم بكون هذه الأراضي هي في ملكية “الجمهورية الوهمية”، وتم تضليل الخرائط العالمية والإحصائيات الدولية إلى اليوم، ومنها ويكيبيديا وخرائط إصابات كوفيد وغير ذلك.

وفجأة، ارتكبت الجبهة خطأ خطيرا بليدا، حين حولت الحدود المغربية الموريتانية قريبا من الكركرات إلى حدث استفزازي إعلامي، بقطع الطريق واعتقال السائقين ومضايقة كل من يتحرك في المنطقة وتخريب الطريق الواصلة بين الحدود؛ فكان الرد المغربي الفاصل، بالسيطرة على هذه المنطقة. ثم جاء الخطأ الثاني الفظيع من قبل “الجمهورية الوهمية”، وهو خرق وقف إطلاق النار؛ مما فك أيدي القوات المسلحة الملكية المغربية، التي كانت مكبلة بالقانون الدولي منذ 1992، فتمت السيطرة على المنطقة العازلة بضرب كل حركات جبهة “البوليساريو” إلى اليوم، وتم تمديد الجدار الرملي إلى حدود الصحراء المغربية مع الجزائر، كما ضيقت موريتانيا على “البوليساريو” بمنعها من استعمال أراضيها للتسلل إلى المنطقة العازلة.

نقول هنا أيضا إن الزلازل السياسية كان لها دور في فضح سراب الاستقلال من خلال اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وهو ما لم ينفه بايدن بعد تسلم السلطة، إضافة إلى فتح القنصليات في الصحراء، الذي من المفروض أن يتجاوز ثلثيْ دول الاتحاد الإفريقي، في انتظار المشهد المسرحي المثير، يوم طرد “الجمهورية الوهمية” من الأرض الإفريقية الطاهرة التي فتك بها الفساد ورشوة الرؤساء في زمن كئيب من سنة 1983.

نستخلص من كل هذا أن الجزائر أقبرت “سراب التحرر” من خلال سياسة التبني بالقوة واستعمال قضية الصحراء لأهداف أخرى غير صحراوية، ناسية أنها ليست قوة قاهرة ولا ضاربة في المنطقة، وأنها دولة متخلفة لا مصداقية لها في المحافل الدولية، وأن أغلب أصدقائها يثيرون الشفقة مثل كوريا الشمالية وفنزويلا وإيران وزيمبابوي وأنغولا وجنوب السودان وسوريا وتونس.

وحتى الاقتصاد لم يعد قادرا على الفرعنة القديمة؛ لأن الخمسة والأربعين مليون جزائري يحتاجون إلى برميل يتجاوز 150 دولارا لمواصلة رشوة الشعب بالسياسة الاشتراكية الديماغوجية، ومواصلة رشوة الدول والرؤساء والمؤثرين وغيرهم، وهذا ملف آخر نرجع إليه لاحقا.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-