أخر الاخبار

"يجب تدمير قرطاج".. قصة عبارة رومانية ارتبطت بنهاية حضارة

موقع قرطاج الأثري
موقع قرطاج الأثري 

خلال الساعات الماضية، أثار مؤسس شركة "ميتا" (فيسبوك سابقا)، مارك زوكربيرغ، جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي بعد نشر صورة له وهو يرتدي قميصا يحمل عبارة "يجب تدمير قرطاج" (Carthago delenda est) باللغة اللاتينية.

وبينما حيرت هذه الصورة العديد من المتابعين، الذين بدأوا في التساؤل عن معنى العبارة وسبب اختيارها من قبل زوكربيرغ، ركزت نقاشات أخرى على جذور واحدة من أشهر العبارات في التاريخ، حيث ارتبطت بسقوط قرطاج العريقة، الحضارة البحرية المتوسطية التي نافست روما لقرون. 

أصل العبارة 

ارتبطت عبارة "يجب تدمير قرطاج" بالسيناتور الروماني كاتو الأكبر (234 ق م - 149 ق م)، الذي استخدمها بشكل متكرر في إشارته إلى قرطاج، والتي كانت مهيمنة على معظم مناطق شمال أفريقيا وجنوب إسبانيا، وسواحل كورسيكا وسردينيا. 

بعد صعود الإمبراطورية الرومانية، خاضت القوتان الرئيسيتان في غرب المتوسط معارك شرسة دوّنت السجلات الرومانية تفاصيلها. وقد دوّنت السجلات الرومانية تفاصيل المعارك الشرسة التي دارت بين القوتين، والتي اتسمت بالضراوة.

وفي خضم هذا الصراع، برز كاتو الأكبر كقائد روماني شديد العداء لقرطاج، فقد كان يؤمن إيمانا راسخا بضرورة القضاء على هذا التهديد العسكري نهائيا، ودعا إلى اتخاذ موقف سياسي وعسكري حازم لتحقيق ذلك. 

ووفقا للروايات التاريخية، فقد كان السيناتور ينهي خطاباته في مجلس الشيوخ الروماني بعبارة "أعتقد أنه يجب تدمير قرطاج" ("Ceterum censeo Carthaginem esse delendam").

حنبعل في مواجهة روما

ورغم جهود قرطاج للامتثال للمطالب الرومانية خصوصا بعد معركة زاما الشهيرة، إلا أن روما أعلنت الحرب على قرطاج، معتبرة وجودها تهديدا مستمرا.

وتروي الكتب التاريخية الرومانية حكاية هذه المعركة، التي يعتقد أنها وقعت في موقع مدينة "ساقية سيدي يوسف" الحالية بالشمال الغربي لتونس، مؤكدة أن في هذه المعركة واجه القائد الروماني، بابليوس كورنيليوس سكيبيو، الملقب بـ"سكيبيو الأفريقي"، خصمه اللدود، الجنرال القرطاجي الشهير، حنبعل.

في هذه الجغرافيا، حفر سكيبيو اسمه بأحرف من ذهب في سجلات التاريخ الروماني، ونال لقب "أفريكانوس" (أي الأفريقي) تكريما لانتصاره الحاسم على حنبعل، ذلك القائد القرطاجي الفذ الذي هدد صعود الإمبراطورية الرومانية ووصل بجيشه الجرار، المُكوّن من الفيلة والمقاتلين من مختلف أنحاء أفريقيا وأوروبا، إلى أبواب روما.

ويسرد المؤرخ الروماني الشهير تيتوس ليفيوس، الملقب بـ"ليفي"، في كتابه "التاريخ الروماني" قصة حنبعل (247-183 قبل الميلاد) كاملة، تلك القصة التي هزت أركان روما وأظهرت شجاعة قرطاج، فقد عبر حنبعل بجيشه الضخم جبال الألب في مسيرة شاقة وطويلة، حاملاً معه حلم غزو روما وإخضاعها.

ويعد عبور حنبعل جبال الألب شهادة على براعته العسكرية وجسارة قرطاج، التي لم ينسها الرومان، فواصلوا التحشيد العسكري والسياسي إلى أن تم تدمير العاصمة قرطاج عام 146 قبل الميلاد.

لم يهدأ كاتو الأكبر عن الترويج لضرورة القضاء على قرطاج، مدعوما بصقور مجلس الشيوخ الروماني، ما أدى في النهاية إلى اندلاع الحرب البونيقية الثالثة (149-146 قبل الميلاد)، والتي كانت الصدام الأخير بين القوتين، وأسفرت هذه الحرب عن هزيمة قرطاج بشكل حاسم، ما أدى إلى اختفائها من الوجود.

شكوك تاريخية

يُؤكد عالم الآثار والمؤرخ الأميركي، باتريك هانت، أن معركة زاما كانت بمثابة نهاية حقيقية لقيادة حنبعل للقوات القرطاجية، إذ أنهت آمال قرطاج في التصدي لروما.

ويرى هانت، في مقال بالموسوعة البريطانية، أن هذه المعركة حسمت مصير قرطاج، تاركة إياها بلا حول ولا قوة، فقد اضطرّت إلى قبول شروط سكيبيو القاسية، والتي تضمنت التنازل عن إسبانيا، وتسليم معظم سفنها الحربية، ودفع تعويضات مالية ضخمة على مدار نصف قرن.

في تلك الفترة، بدأ كاتو الأكبر يدعو إلى إنهاء المهمة بمسح قرطاج من الخريطة تماما، وكانت كل خطبه تحرض على توجيه الجيوش الرومانية إلى جنوب القارة، وهو ما تحقق بالفعل. 

وبلا شك، فإن قصة التدمير الكامل للتاريخ القرطاجي المكتوب يجعل كثيرا من هذه المعطيات مثار تشكيك المختصين. وعلى سبيل المثال، يعتقد الكاتب التونسي صاحب كتاب "حنبعل التاريخ الحقيقي والتاريخ المزيف"، عبد العزيز بلخوجة، أن المؤرخين الرومان فرضوا سرديتهم وآراءهم على قرطاج وقائدها، وأن معركة زاما أصلا "أكذوبة"، خصوصا وأن المؤلفات القرطاجية لم تعش لتحكي وجهة نظرهم.

وفي مقابلة أجراها مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية، قال إن ما حدث ليس معركة إنما نوعا من "سلام الشجعان"، أي اتفاق يحفظ ماء وجه الجميع، بين "القلة الحاكمة في قرطاج ومجلس الشيوخ الروماني دون إبلاغ حنبعل".

وأضاف "كان السلام مناسباً لكل الأطراف، سواء من الرومان، غير الراغبين في تواجد حنبعل على أراضيهم"، وحكّام قرطاج "المتخوفين" من شعبية حنبعل ولا يريدونه أن يكون منتصرا في حربه ضد الرومان.

وذهب إلى أن الجمهورية القرطاجية - مثل الجمهورية الرومانية – نظام سياسي معادي للشعبوية وشخصيات ذات شهرة كبيرة، وأن عائلة حنبعل المتنفذة كانت تحظى بتقدير كبير نظرا لمآثرهم الحربية واحترامهم الكبير للدستور القرطاجي.

واعتبر الباحث أن هذه الشعبية غير العادية هي التي أقلقت مجلس الشيوخ القرطاجي، ودفعت إلى محاكمة والد حنبعل، الذي كان على وشك الوصول إلى السلطة، وأن نتيجة كل هذه المؤامرات هو توقيع اتفاق سلام مع روما لقطع الطريق على حنبعل وعائلته. 

ويعتقد عبد العزيز بلخوجة أن بوليبيوس، المؤرخ صاحب كتاب "التاريخ العامّ للجمهورية الرومانية" هو من اخترع معركة زاما، مردفا "نعرف على وجه اليقين كل معارك حنبعل ماعدا موقع زاما".

وتابع: "لو انتصر الرومان حقا، لتركوا أثرا، أو نصبا تذكاريا لتمييز هذه الجغرافيا".

  • المصدر: أصوات مغاربية
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-