فوضى “مشروبات الطاقة” في السوق الوطني.. أرباح ضخمة على حساب المستهلك والخزينة
فوضى “مشروبات الطاقة” في السوق الوطني.. أرباح ضخمة على حساب المستهلك والخزينة

باتت في السنوات الأخيرة، مشروبات الطاقة من بين المنتجات الأكثر حضوراً في السوق المغربية، وذلك لأن الإقبال المتزايد عليها، خاصة من طرف الشباب اليافعين ومرتادي المقاهي وأماكن السهر، جعلها تتحول إلى تجارة مربحة للغاية، لكن وراء هذا الازدهار الظاهر، تختفي ممارسات مثيرة للجدل تثير أسئلة عميقة حول مصداقية هذه السوق، ومدى قدرة أجهزة الرقابة على ضبطها؛ فبينما يعتقد المستهلك أنه يشتري منتجاً أصلياً يمنحه “طاقة إضافية”، يجد نفسه في الواقع أمام مشروب غازي عادي، لا يختلف كثيراً عن المشروبات التقليدية، لكن يباع له بسعر مضاعف تحت غطاء “مشروبات الطاقة”.
هذه الفوضى لا تقف عند حدود التضليل التجاري، بل تتعداها إلى شبهات تهرب ضريبي واسع النطاق، فالمعطيات التي حصلت عليها “بلادنا24” من مصادر جيدة الاطلاع تكشف أن بعض هذه المنتجات تدخل التراب الوطني باعتبارها “مشروبات غازية”، وهو ما يخفض بشكل كبير الرسوم الجمركية المفروضة عليها، قبل أن تُطرح لاحقاً في السوق على أساس أنها “مشروبات طاقة”. هذا الفرق في الأسعار والرسوم يُترجم إلى “أرباح ضخمة” للمستوردين والموزعين بالجملة، مقابل “خسائر مباشرة” واحتيال واضح على خزينة الدولة، وزبون يُباع له الوهم في علبة معدنية.
شهادة موزع سابق: “التجار رفضوا التعامل معي”
وفي هذا السياق، استقينا شهادة موزع سابق لماركة نمساوية معروفة من مشروبات الطاقة، مؤكداً أن ما يجري في السوق “أشبه بعملية غش جماعية”، موضحاً أنه كان يجد صعوبة في تسويق منتجاته الأصلية، رغم جودتها ومطابقتها للمعايير، لأن معظم التجار كانوا يفضلون التعامل مع موزعين آخرين يقدمون منتجات أقل تكلفة، والسبب هنا بسيط، وهو أن هؤلاء الموزعين يطرحون مشروبات غازية عادية، قريبة في المذاق من مشروبات الطاقة، لكنهم يبيعونها على أنها “مشروبات طاقة” وبأثمان أقل بكثير من السعر الذي تفرضه الماركات الأصلية.
ويضيف الموزع أن التجار، وخاصة أصحاب المحلات الصغيرة والمقاهي، كانوا يرفضون الشراء منه بحجة أن السوق مليئة بمنتجات مشابهة أرخص سعراً، رغم أنها لا تمت بصلة لمشروبات الطاقة الحقيقية، والنتيجة، بحسب قوله، هي أن “المنافسة تحولت إلى سباق غير متكافئ، حيث انتصر الغش على حساب الجودة، وغابت القوانين أمام إغراء الربح السريع”.
فرق شاسع بين الكلفة وسعر البيع
ومن خلال المعطيات التي حصلت عليها “بلادنا24“، يتضح أن ثمن الكلفة الحقيقي لهذه المنتجات لا يتجاوز 3 إلى 3.5 دراهم للعلبة الواحدة، أي نفس مستوى المشروبات الغازية العادية مثل الكولا والمشروبات المنكهة، لكن بمجرد أن تُقدَّم للمستهلك على أساس أنها “مشروب طاقة”، يقفز السعر إلى 10 دراهم وأكثر.
وحسب المعطيات ذاتها الصادرة عن مصادر الجريدة، فإن سعر هذه المنتجات، يصل في المقاهي، وخصوصاً مقاهي “الشيشا”، إلى 50 أو حتى 70 درهماً للعلبة الواحدة؛ هذا “الفارق المهول” بين الكلفة وسعر البيع لا يجد تفسيره سوى في وجود غش مزدوج، من جهة، تضليل للمستهلك، وتهرب من دفع الرسوم الحقيقية من جهة أخرى، وهذا ما يضعنا أمام فضيحة أخرى يتحمل ثقلها المستهلك المغربي، الذي يظن فور اقتنائه لهذه المشروبات المشابهة لمشروبات الطاقة شكلاً وربما مذاقاً، أنه أمام مزود للطاقة سيساعده على مواصلة يومه بنشاط، ليتفاجأ بأنه استهلك منتجاً غازياً عادياً بثمن لا تفسير لارتفاعه.
ثغرات في التصنيف الجمركي
المعطيات نفسها التي توصلت بها “بلادنا24” تشير إلى أن أصل المشكلة يكمن في مرحلة الاستيراد، ذلك لأن القانون المغربي يفرض على مستوردي مشروبات الطاقة أداء رسوم جمركية تصل إلى درهمين عن كل علبة، في حين أن المشروبات الغازية لا تتجاوز رسومها نصف درهم فقط، وهو ما يجعل بعض الشركات تستغل هذا الفارق وتُدخل منتجاتها باعتبارها “مشروبات غازية”، لتدفع الرسوم الأدنى فقط، قبل أن تعيد تسويقها داخلياً كـ”مشروبات طاقة”، وهو تحايل يحرم خزينة الدولة من مداخيل مهمة، ويضرب مصداقية السوق المغربية في العمق، وبالتالي يحمل المستهلك المغربي مسؤولية “ثقته العمياء” في الموزعين.
كما أن المستهلك المغربي، الذي يقبل على هذه المنتجات باقتناع أنه يشتري “مشروبات طاقة” أصلية، يجد نفسه في الحقيقة ضحية خدعة تجارية متقنة، بحيث أن النكهة تُصمم لتشبه الطعم المعروف لمشروبات الطاقة العالمية، لكن المحتوى لا يتعدى أن يكون مشروباً غازياً عادياً، والأخطر من ذلك، أن بعض المقاهي تستغل هذا الالتباس لتسويقها بأسعار “خيالية”، وهو ما يمثل ضربة مزدوجة لجيوب المواطنين ولمبدأ الشفافية في السوق.
مشروبات غازية تُسوَّق كـ“مشروبات طاقة”
وبالحديث عن السوق المغربية، يزداد حضور منتجات تُباع تحت مسمى “مشروبات طاقة”، لكن عند تدقيقنا في مكوناتها يتضح أن الأمر لا يتعلق بمشروبات طاقة حقيقية، بل بمشروبات غازية عادية تُقدم للمستهلك في قوالب مُضللة، والنتيجة أن المستهلك يدفع أثماناً مضاعفة مقابل منتج لا يتوفر على المكونات التي تميز مشروبات الطاقة الأصلية، بينما تترسخ حالة من الغموض والتلاعب في سوق يُفترض أن تحكمها القوانين والشفافية.
ومن أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة مشروب “XL Yourself Classic”، وهو منتج بولندي معروف عالمياً ضمن فئة مشروبات الطاقة، ذلك لأن النسخة الأصلية من “XL Classic” تحتوي على مكونات أساسية مثل الكافيين (32mg/100ml) والتورين (400mg/100ml) وفيتامينات من مجموعة B، وهي العناصر التي تجعل منه فعلاً مشروب طاقة، غير أن ما يُسوَّق في المغرب تحت نفس الاسم يكشف مفارقة صادمة، ذلك لأن العلبة المعدنية نفسها مكتوب عليها بوضوح “مشروب غازي مبستر”، وقائمة المكونات تخلو من أي أثر للكافيين أو التورين أو الفيتامينات.

فالمكونات المدونة تقتصر على مياه غازية، سكر، حمض الستريك (E330)، سترات الصوديوم (E331)، لون كراميل (E150C)، ونكهات اصطناعية (توتي فروتي)، وهي تركيبة لا تختلف عن أي مشروب غازي عادي، لكنها تُطرح في السوق المغربية بثمن يصل إلى 12 درهماً للعلبة، في حين أن كلفتها الحقيقية لا تتعدى 3.5 إلى 4 دراهم في الأقصى، وبهذا فإن المستهلك يدفع ثمن “مشروب طاقة” بينما ما يحصل عليه في الواقع مجرد مشروب غازي بطعم منكه.

وبهذا فنحن أمام احتمالين اثنين أثناء الحديث عن هذا المشروب، الأول يتعلق بتقليد/تزوير للعلامة التجارية، بحيث يُسوَّق مشروب غازي عادي بنفس اسم وشكل “XL Energy”، فيما الاحتمال الثاني يتعلق بنسخة خاصة “مخففة” موجهة لسوق المغرب بترخيص “غامض”، لكنها لا تعتبر مشروب طاقة علمياً لأنها تفتقد العناصر المنبهة (كافيين + تورين)، وفي كلتا الحالتين المستهلك يجد نفسه أمام عملية احتيال ضخمة، واختلالات تنهب أموال ضخمة من خزينة الدولة.
والمثال الثاني هنا هو مشروب “Zygra Tutti Frutti”، الذي يصنع في مصنع حديث يقع في مدينة “Szikszó” في هنغاريا، ويُسوَّق بدوره في المغرب على أساس أنه “مشروب طاقة”، ويُباع بحوالي 10 دراهم للعلبة، غير أنه انطلاقًا من تحليلنا الدقيق للجدول الغذائي الخاص بهذا المشروب، يتضح لنا أن خصائصه الغذائية تتوافق أكثر مع المشروبات الغازية التقليدية منها مع مشروبات الطاقة، ذلك لأن أول ما يلفت الانتباه هو المحتوى المنخفض جدًا للطاقة، حيث يوفر المشروب 22 سعرة حرارية لكل 100 مل، وهو رقم منخفض مقارنة بمشروبات الطاقة التي عادة ما تحتوي على كمية أكبر من السعرات نتيجة احتوائها على السكر العالي وبعض المكونات المنشطة كالكافيين أو التورين.

كما أن هذا المشروب خالٍ تمامًا من الكافيين والدهون والبروتينات، مع وجود نسبة سكر معتدلة تصل إلى 4.8 غ لكل 100 مل، وهذا يتماشى مع المشروبات الغازية الخفيفة التي تعتمد أساسًا على الماء الغازي والسكر لإضفاء الطعم، دون إضافة أي عناصر غذائية أخرى تمنح الجسم طاقة كبيرة أو تأثيرًا منشطًا فوريًا.
وإضافة إلى ذلك، لا يحتوي المشروب على أي مكونات منشطة أو فيتامينات مركزة، وهي عناصر أساسية تتواجد في مشروبات الطاقة بهدف زيادة التركيز والطاقة الجسمانية والعقلية؛ كما أن وجود نسبة بسيطة من الملح (0.2 غ/100 مل) هو أمر شائع في المشروبات الغازية لتحسين الطعم، ولا يشير بأي شكل إلى خصائص منشطة، لهذا، فإن من هذا المنطلق، يمكننا التأكيد بأن هذا المشروب ينتمي إلى فئة “المشروبات الغازية”، التي تهدف أساسًا إلى الترطيب وإشباع الرغبة في الطعم الغازي والحلو، وليس إلى زيادة النشاط والطاقة كما تفعل مشروبات الطاقة، ذلك لأن التحليل الغذائي للمكونات يكشف بوضوح أن هذا المنتج ليس مشروب طاقة، بل مشروب غازي خفيف، يمكن تناوله كبديل منعش دون توقع أي تأثير منشط للجسم.
التضليل المزدوج.. المستهلك والدولة معاً
والمشكل الأساسي في هذه الحالات لا يقتصر على المستهلك فقط، بل يتعداه إلى الدولة نفسها، ذلك لأن المشروبات الغازية تخضع لرسوم جمركية منخفضة (0.5 درهم للعلبة)، بينما مشروبات الطاقة تُفرض عليها رسوم أعلى (2 دراهم للعلبة)، لهذا فإنه عندما تُدخل هذه المنتجات على أنها “مشروبات غازية” ثم تُباع داخلياً على أنها “مشروبات طاقة”، فإن الخسارة تكون مزدوجة، لأن المواطن يدفع سعراً مضاعفاً مقابل منتج مضلل، وخزينة الدولة تخسر جزءاً من عائداتها الجمركية.
والأمر يتعلق في النهاية بممارسات تجارية تُضعف ثقة المستهلك وتضرب مصداقية السوق المغربية، لأن منتوجا مثل “XL Yourself Classic” يُباع على أنه “طاقة” رغم أن ملصقه يصرح بوضوح أنه “مشروب غازي”، ومنتوج آخر مثل “Zygra Tutti Frutti” يفتقر لأي شفافية في المكونات، يضعنا أمام سؤال جوهري، هو “من يحمي المستهلك المغربي من هذا النوع من التضليل؟”.
والمطلوب اليوم هو تدخل عاجل من طرف السلطات المختصة، عبر تدقيق تركيبة هذه المنتجات عند الاستيراد، وتوضيح طبيعتها الحقيقية، ومساءلة الشركات والموزعين الذين يطرحونها في السوق، لأنه في غياب ذلك، سيظل المستهلك يدفع ثمن وهم في علبة معدنية، بينما أرباح ضخمة تتكدس في جيوب البعض على حساب القانون والشفافية.
محاولات للتحقق من المعطيات
ومن أجل التحقق من صحة هذه المعطيات الواردة ضمن هذا المقال، حاولت “بلادنا24” التواصل مع بعض الشركات المشتبه في تورطها في هذه الممارسات، غير أننا لم نتوفق في ذلك حتى حدود كتابة هذه الأسطر؛ كما تقدمنا بطلب مكتوب إلى إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة عبر موقعها الرسمي من أجل الحصول على معطيات دقيقة بخصوص حجم استيراد هذه المنتجات وتصنيفها الجمركي، وننتظر جواباً رسمياً من الجهة المعنية.
إن المعطيات المتوفرة اليوم تكشف أن ما يجري في سوق مشروبات الطاقة ليس مجرد “سوء تفاهم” أو “ممارسات معزولة”، بل هو نمط تجاري قائم على الغش والتهرب، والضحية الأولى هنا هو المستهلك المغربي، الذي يدفع ثمن منتج مزيف، والضحية الثانية هي خزينة الدولة التي تخسر رسوماً مهمة.
وأمام هذا الوضع، يبقى السؤال مطروحاً بقوة: “هل ستتحرك السلطات المختصة لضبط السوق وحماية المستهلك، أم سيستمر الغش في غياب الرقابة الصارمة؟”.
ليست هناك تعليقات: